فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} إلخ.زائن جمع خزانة هي أسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء للحفظ يقال: خزن الشيء إذا أحرزه.
فقيل أراد مفاتيح الخزائن وقيل: أراد بالخزائن المطر لأنه سبب الأرزاق والمعايش لبني آدم والدواب والوحش والطير ومعنى عندنا أنه في حكمه وتصرفه وأمره وتدبيره قوله تعالى: {وما ننزله إلا بقدر معلوم} يعني بقدر الكفاية.
وقيل: إن لكل أرض حدًا ومقدار من المطر.
يقال: لا تنزل من السماء قطرة مطر إلا ومعها ملك يسوقها إلى حيث يشاء الله تعالى.
وقيل: إن المطر ينزل من السماء كل عام بقدر واحد لا يزيد ولا ينقص ولكن الله يمطر قومًا، ويحرم آخرين وقيل: إذا أراد الله بقوم خيرًا أنزل عليهم المطر والرحمة وإذا أراد بقوم شرًا صرف المطر عنهم إلى حيث لا ينتفع به، كالبراري والقفار والرمال والبحار ونحو ذلك.
وحكى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده أنه قال في العرش تمثال جميع ما خلق الله في البر والبحر.
وهو تأويل قوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه {وأرسلنا الرياح لواقح} قال ابن عباس يعني للشجر، وهو قول الحسن وقتادة وأصل هذا من قولهم: لقحت الناقة وألقحها الفحل إذا ألقى إليها الماء، فحملته فكذلك الرياح كالفحل للسحاب وقال ابن مسعود في تفسير هذه الآية يرسل الله الرياح لتلقح السحاب فتحمل الماء فتمجه في السحاب ثم تمر به فتدر كما تدر اللقحة، وقال عبيد بن عمير: يرسل الله الريح المبشرة فتقم الأرض قمًا، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلف السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركامًا، ثم يرسل اللواقح فتلقح الشجر والأظهر في هذه الآية إلقاحها السحاب لقوله بعده فأنزلنا من السماء ماء قال أبو بكر بن عياش: لا تقطر قطرة من السماء إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيها فالصبا تهيج السحاب، والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه.
وقال أبو عبيد: لواقح هنا بمعنى ملاقح جمع ملقحة حذفت الميم وردت إلى الأصل.
وقال الزجاج: يجوز أن يقال لها لواقح وإن ألقحت غيرها، لأن معناها النسبة كما يقال: درهم وازن أي ذو وزن واعترض الواحدي على هذا.
فقال هذا ليس بمغن لأنه كان يجب أن يصح اللاقح بمعنى ذات لقح حتى يوافق قول المفسرين، وأجاب الرازي عنه بأن قال: هذا ليس بشيء.
لأن اللاقح هو المنسوب إلى اللقحة، ومن أفاد غير اللقحة فله نسبة إلى اللقحة وقال صاحب المفردات لواقح أي ذات لقاح وقيل إن الريح في نفسها لاقح لأنها حاملة للسحاب والدليل عليه قوله تعالى: {حتى إذا أقلت سحابًا} ثقالًا، أي حملت فعلى هذا تكون الريح لاقحة بمعنى حاملة تحمل السحاب.
وقال الزجاج: ويجوز أن يقال للريح لقحت إذا أتت بالخير كما قيل لها عقيم إذا لم تأت بخير وورد في بعض الأخبار أن الملقح الرياح الجنوب، وفي بعض الآثار ما هبت رياح الجنوب إلا واتبعت عينًا غدقة {ق} عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها ما أرسلت به» وروى البغوي بسنده إلى الشافعي إلى ابن عباس قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وقال:
«اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» قال ابن عباس في كتاب الله {إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} {فأرسلنا عليه الريح العقيم} وقال: {وأرسلنا الرياح لواقح} وقال: {يرسل الرياح مبشرات} وقوله سبحانه وتعالى: {فأنزلنا من السماء ماء} يعني المطر {فأسقيناكموه} يعني جعلنا لكم المطر سقيًا يقال أسقى فلان فلانًا إذا جعل له سقيًا، وسقاه إذا أعطاه ما يشرب، وتقول العرب: سقيت الرجل ماء، ولبنًا إذا كان لسقيه فإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته يقال: أسقيناه {وما أنتم له} يعني للمطر {بخازنين} يعني: إن المطر في خزائننا لا في خزائنكم. وقيل: وما أنتم له بمانعين. اهـ. وقال أبو حيان في الآيات السابقة:
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)}
لما ذكر حال منكري النبوة وكانت مفرعة على التوحيد، ذكر دلائله السماوية، وبدأ بها ثم أتبعها بالدلائل الأرضية.
وقال ابن عطية: لما ذكر تعالى أنهم لو رأوا الآية المذكورة في السماء لعاندوا فيها، عقب ذلك بهذه الآية كأنه قال: وإنّ في السماء لعبرًا منصوبة عبر عن هذه المذكورة، وكفرهم بها، وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو انتهى.
والظاهر أن جعلنا بمعنى خلقنا، وفي السماء متعلق بجعلنا، ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا، وفي السماء المفعول الثاني، فيتعلق بمحذوف، والبروج جمع برج، وتقدم شرحه لغة. قال الحسن وقتادة: هي النجوم، وقال أبو صالح: الكواكب السيارة.
وقال علي بن عيسى: اثنا عشر برجًا: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، وهي منازل الشمس والقمر.
وقال ابن عطية: قصور في السماء فيها الحرس، وهي المذكورة في قوله: {ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا} وقيل: الفلك اثنا عشر برجًا، كل برج ميلان ونصف.
والظاهر أن الضمير في وزيناها عائد على البروج لأنها المحدث عنها، والأقرب في اللفظ.
وقيل: على السماء، وهو قول الجمهور.
وخص بالناظرين لأنها من المحسوسات التي لا تدرك إلا بنظر العين.
ويجوز أن يكون من نظر القلب لما فيها من الزينة المعنوية، وهو ما فيها من حسن الحكم وبدائع الصنع وغرائب القدرة.
والضمير في حفظناها عائد على السماء، ولذلك قال الجمهور: إن الضمير في وزيناها عائد على السماء حتى لا تختلف الضمائر، وحفظ السماء هو بالرجم بالشهب على ما تضمنته الأحاديث الصحاح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشياطين تقرب من السماء أفواجًا فينفرد المارد منها فيستمع، فيرمي بالشهاب فيقول لأصحابه. وهو يلتهب: إنه الأمر كذا وكذا، فتزيد الشياطين في ذلك ويلقون إلى الكهنة فيزيدون على الكلمة مائة كلمة» ونحو هذا الحديث.
وقال ابن عباس: إن الشهب تخرج وتؤذي، ولا تقتل.
وقال الحسن: تقتل.
وفي الأحاديث ما يدل على أنّ الرجم كان في الجاهلية ولكنه اشتد في وقت الإسلام.
وحفظت السماء حفظًا تامًا.
وعن ابن عباس: كانوا لا يحجبون عن السموات، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها.
والظاهر أنّ قوله: إلا من استرق، استثناء متصل والمعنى: فإنها لم تحفظ منه، ذكره الزهراوي وغيره والمعنى: أنه سمع من خبرها شيئًا وألقاه إلى الشياطين.
وقيل: هو استثناء منقطع والمعنى: أنها حفظت منه، وعلى كلا التقديرين فمِن في موضع نصب.
وقال الحوفي: من بدل من كل شيطان، وكذا قال أبو البقاء: حر على البدل أي: إلا ممن استرق السمع.
وهذا الإعراب غير سائغ، لأن ما قبله موجب، فلا يمكن التفريغ، فلا يكون بدلًا، لكنه يجوز أن يكون إلا من استرق نعتًا على خلاف في ذلك.
وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون من في موضع رفع على الابتداء، وفأتبعه الخبر.
وجاز دخول الفاء من أجل أنّ مِن بمعنى الذي، أو شرط انتهى.
والاستراق افتعال من السرقة، وهي أخذ الشيء بخفية، وهو أن يخطف الكلام خطفة يسيرة.
والسمع المسموع، ومعنى مبين: ظاهر للمبصرين. {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)} مددناها بسطناها ليحصل بها الانتفاع لمن حلها.
قال الحسن: أخذ الله طينة فقال لها: انبسطي فانبسطت، وقيل: بسطت من تحت الكعبة.
ولما كانت هذه الجملة بعدها جملة فعلية، كان النصب على الاشتغال أرجح من الرفع على الابتداء، فلذلك نصب والأرض.
والرواسي: الجبال، وفي الحديث: «إن الأرض كانت تتكفأ بأهلها كما تتكفأ السفينة فثبتها الله بالجبال» ومِن في من كل للتبعيض، وعند الأخفش هي زائدة أي كل شيء.
والظاهر أنّ الضمير في فيها يعود على الأرض الممدودة، وقيل: يعود على الجبال، وقيل: عليها وعلى الأرض معًا.
قال ابن عباس، وابن جبير: موزون مقدر بقدر.
وقال الزمخشري قريبًا منه قال: وزن بميزان الحكمة، وقدر بمقدار يقتضيه لا يصلح فيه زيادة ولا نقصان.
وقال ابن عطية: قال الجمهور: معناه مقدر محرر بقصد وإرادة، فالوزن على هذا مستعار.
وقال ابن زيد: المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والفضة، وغير ذلك مما يوزن.
وقال قتادة: موزون مقسوم.
وقال مجاهد: معدود، وقال الزمخشري: أوله وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة.
وبسطه غيره فقال: ما له منزلة، كما تقول: ليس له وزن أي: قدر ومنزلة.
ويقال: هذا كلام موزون، أي منظوم غير منتثر.
فعلى هذا أي: أنبتنا فيها، ما يوزن من الجواهر والمعادن والحيوان.
وقال تعالى: {وأنبتها نباتًا حسنًا} والمقصود بالإنبات الإنشاء والإيجاد.
وقرأ الأعرج وخارجة عن نافع: معائش بالهمز.
قال ابن عطية: والوجه ترك الهمز، وعلل ذلك بما هو معروف في النحو.
وقال الزمخشري: معايش بياء صريحة بخلاف الشمائل والخبائث، فإنّ تصريح الياء فيها خطأ، والصواب الهمزة، أو إخراج الياء بين بين.
وتقدم تفسير المعايش أول الأعراف والظاهر أنّ من لمن يعقل ويراد به العيال والمماليك والخدم الذين يحسبون أنهم يرزقونهم ويخطئون، فإن الله هو الرزاق يرزقكم وإياهم.
وقال معناه الفراء، ويدخل معهم ما لا يعقل بحكم التغليب كالأنعام والدواب، وما بتلك المثابة مما الله رازقه، وقد سبق إلى ظنهم أنهم الرازقون، وقال معناه الزجاج.
وقال مجاهد: الدواب والأنعام والبهائم.
وقيل: الوحوش والسباع والطير.
فعلى هذين القولين يكون من لما لا يعقل.
والظاهر أنّ مِن في موضع جر عطفًا على الضمير المجرور في لكم، وهو مذهب الكوفيين ويونس والأخفش.
وقد استدل القائل على صحة هذا المذهب في البقرة في قوله: {وكفر به والمسجد الحرام} وقال الزجاج: من منصوب بفعل محذوف تقديره: وأعشنا من لستم أي: أممًا غيركم، لأنّ المعنى أعشناكم.
وقيل: عطفًا على معايش أي: وجعلنا لكم من لستم له برازقين من العبيد والصناع.
وقيل: والحيوان.
وقيل: عطفًا على محل لكم.
وقيل: من مبتدأ خبره محذوف لدلالة المعنى عليه أي: ومن لستم له برازقين جعلنا له فيها معايش.
وهذا لا بأس به، فقد أجازوا ضربت زيدًا وعمرو بالرفع على الابتداء أي: وعمرو ضربته، فحذف الخبر لدلالة ما قبله عليه. وتقدم شرح الخزائن.
وإنْ نافية، ومن زائدة، والظاهر أنّ المعنى: وما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والأنعام به، فتكون الخزائن وهي ما يحفظ فيه الأشياء مستعارة من المحسوس الذي هو الجسم إلى المعقول.
وقال قوم: المراد الخزائن حقيقة، وهي التي تحفظ فيها الأشياء، وأن للريح مكانًا، وللمطر مكانًا، ولكل مكان ملك وحفظه، فإذا أمر الله بإخراج شيء منه أخرجته الحفظة.
وقيل: المراد بالشيء هنا المطر، قاله ابن جريج.
وقرأ الأعمش: وما نرسله مكان وما ننزله، والإرسال أعم، وهي قراءة تفسير معنى لا أنها لفظ قرآن، لمخالفتها سواد المصحف.
وعن ابن عباس، والحكم بن عيينة: أنه ليس عام أكثر مطرًا من عام، ولكنّ الله تعالى ينزله في مواضع دون مواضع.
ولواقح جمع لاقح، يقال: ريح لاقح جائيات بخير من إنشاء سحاب ماطر، كما قيل للتي لا تأتي بخير بل بشر ريح عقيم، أو ملاقح أي: حاملات للمطر.
وفي صحيح البخاري: لواقح ملاقح ملقحة.
وقال عبيد بن عمير: يرسل الله المبشرة تقم الأرض قمائم المثيرة، فتثير السحاب.
ثم المؤلفة فتؤلفه، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر.
ومن قرأ بإفراد الريح فعلى تأويل الجنس كما قالوا: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، وسقى وأسقى قد يكونان بمعنى واحد.
وقال أبو عبيدة: من سقى الشفة سقى فقط، أو الأرض والثمار أسقى، وللداعي لأرض وغيرها بالسقيا أسقى فقط.
وقال الأزهري: العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام، ومن السماء، أو نهر يجري: أسقيته، أي جعلته شربًا له، وجعلت له منه مسقى.
فإذا كان للشفة قالوا: سقى، ولم يقولوا أسقى.
وقال أبو علي: سقيته حتى روي، وأسقيته نهرًا جعلته شربًا له.
وجاء الضمير هنا متصلًا بعد ضمير متصل كما تقدم في قوله: {أنلزمكموها} وتقدم أنّ مذهب سيبويه فيه وجوب الاتصال.
وما أنتم له بخازنين أي: بقادرين على إيجاده، تنبيهًا على عظيم قدرته، وإظهار العجز.
هم أي: لستم بقادرين عليه حين احتياجكم إليه. وقال سفيان: بخازنين أي بمانعين المطر. اهـ.